(الوطن - علي هاشم)
لم يكن لاقتراحي الوحدة الاقتصادية للإنترنت في المؤسسة العامة للاتصالات حول العقد «21/أ» الخاص بإصدار بطاقات مسبقة الدفع للإنترنت، أن يثيرا كثير انتباه لولا الطريقة «الفذة» التي اعتمدت في تسويغهما، ذلك أن مقدمات التقرير الذي صدر مطلع الشهر الماضي متضمنا الاقتراحين، استرسل «بأمانة» في تعداد الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسة أثناء صياغتها لآليات وشروط التعاقد مع الشركات، ليتوصل التقرير إلى أنه من المستحيل على الشركات المتعاقدة تنفيذ مضمون التعاقد، إلا أنه «أي التقرير»، وبطريقة لا تنقصها «الكاريكاتورية»، انبرى ليطالب في خاتمته باتخاذ قرار بفسخ العقود لأن الشركات لم تنفذ مضمونها. وبطاقات الإنترنت مسبقة الدفع كانت قد طرحت فكرة في مزودات الخدمة الحكومية نحو عام 2005، إلا أن تأخر التعاقد عليها، ومن ثم التأخر في تنفيذ التعاقدات أودى بالمزودات الحكومية إلى الوراء في سياق المنافسة المحمومة مع مزودات القطاع الخاص التي أحسنت استغلال الفرصة فأغرقت السوق برزمة من العروض. مقدمات «في واد» يقول متن التقرير: إنه (كان من المفترض تنفيذ العقد «21/أ» على مزود «190» لكن الصعوبات الفنية وتحديداً عدم القدرة الفنية لنقاط النفاذ في المحافظات للتعامل مع نظام التحقق من الهوية أدى إلى إيقافه). ويشير التقرير إلى أن السيد وزير الاتصالات السابق اقترح –لحل المشكلة- تنفيذ مضمون العقد على مزود «تراسل» التابع لشبكة «PDN» وبالشروط العقدية نفسها، لكن مديرية «PDN» اعتذرت عن ذلك لعدم توافر الجهوزية الفنية لديها، وبعد إعادة المحاولة تمت الموافقة على هذا المقترح، لكن لجنة فنية شكلت لهذا الموضوع بعضوية ممثلين عن «مزود خدمة خاص، الشبكة الذكية، شركة تسديد» عادت ورفضت الموضوع لأسباب لم يذكرها التقرير. وكشف التقرير أن اجتماعات اللجنة آنفة الذكر تمخضت عن مجموعة من النقاط تم تلخيصها كالآتي: 1- نسبة ربح المتعهد «2.6%» وهي لا تغطي تكلفة الطباعة وتوزيع البطاقات وعمولة الموزعين ما سيؤدي إلى ضعف انتشار الخدمة حتى لو اعتبرنا أن المتعهد سوف يوفر واردات أخرى من فوائد الاحتفاظ بالأموال فإن الفوائد لن تكفي بشكل من الأشكال لتغطية المصاريف ناهيك عن الأجهزة والبرامج وتحديثها وصيانتها سنوياً. 2- إن احتفاظ المتعهد بقيمة 35% من البطاقات المطروحة في الأسواق دون تقديم كفالة مصرفية توازي قيمة الأموال المحتفظ بها قد يعرض المؤسسة والمواطنين إلى خسارة كبيرة في الأموال. 3- إن مبلغ الكفالة المحدد في العقد يتنافى مع قيمة البطاقات المتوقع تفعيلها وطرحها في الأسواق ولم يتطرق العقد إلى رأسمال المتعهد تماشياً مع تعليمات المصرف المركزي. 4- لم يحدد العقد عائدية المبالغ المتبقية في البطاقات، وهل تعود للمؤسسة أم للمتعهد؟ اقتراحات في واد آخر بعد قراءة مقدمة التقرير آنفة الذكر، يعتقد القارئ بأن المؤسسة ستبادر إلى الاعتذار للشركات المتعاقدة ومن ثم تعرض تعديل شروط التعاقد بما يخدم مصلحة الطرفين، إلا أنه، وبغض النظر عن الأخطاء التي أشارت إليها مقدمة التقرير، وبغض النظر عن أن مسؤوليتها تقع كاملة على عاتق المؤسسة، فقد جاءت الاقتراحات في واد آخر تماماً، وفيها: - الاقتراح الأول: طرح الموضوع (التعاقد) على مجلس الإدارة وإصدار قرار بإيقاف العقد نظراً إلى المشكلات الكبيرة المتضمنة. - الاقتراح الثاني: الموافقة على إعداد مذكرة تفاهم مع شركة «تسديد» للاستفادة من خدماتها حيث إن هناك ضوابط وآلية عمل واضحة بينهما وبين المؤسسة. المالية تعرض المخاوف قبل الخوض في الصعوبة البالغة التي واجهت معدي التقرير أثناء كتابته، واضطرارهم لمحاكاة بهلوانيي السيرك لدى قفزهم فوق الأخطاء التي وقعت فيها مؤسستهم أثناء صياغة البنود التعاقدية، ليتوصلوا بخفة إلى المطالبة بفسخ العقود، قبل ذلك، يجدر المرور على ما قالته المديرية المالية في المؤسسة إزاء المشكلة في حال إصرار الوحدة الاقتصادية لخدمات الإنترنت على رفض المذكرة التسويغية لتأخر تنفيذ العقد التي تقدمت بها الشركة المتعاقدة، فقد طلبت إلى مدير الوحدة الاتفاق مع الشركة على فسخ العقد والحصول منها على تعهد بعدم رفع دعوى فضائية للمطالبة بالعطل والضرر ومن ثم رفع المذكرة إلى مجلس الإدارة لاستصدار القرار اللازم بفسخ العقد، وإلا فاللجوء إلى قانون العقود وفسخ العقد من طرف واحد وتحمل التبعات القانونية. لكن الملاحظات على التقرير تتجاوز حاجر اللغة والمفردات لتصل إلى إثارة التساؤل حول الطريقة التي تدار بها المشكلات في مؤسسة الاتصالات والآليات الجاهزة في التحضير بهدوء لكسر التعاقدات التي قد لا تعجب البعض، وصولاً إلى اقتراح البدائل بشكل لا يساعد على تقديم النيّات الحسنة. فمثلا، يقول التقرير: إن الفشل الفني لا يزال مستمراً وإن المعوقات لم يتم حلها حتى الساعة، وخاصة أن اللجنة قد قررت عدم المضي بالمشروع عبر مزود «تراسل»، وعلى الرغم من ذلك ينتقل معدوه «بخفة» إلى اقتراح مالي وتعاقدي آخر مع شركة تسديد. ولعله هنا يجدر التساؤل حول نيّات اللجنة التي يشارك في عضويتها البعض من يحسبون على «تسديد»، والأسباب التي جعلتها تعتقد بأن الخدمة ستنطلق في عهد تسديد بوجود المشكلات الفنية التي أشارت إليها، وهل ستتحسن الظروف الفنية آنذاك؟ كما يجدر التساؤل حول إشارة التقرير إلى أن هامش ربح الشركة المتعهدة لا يتجاوز «2.6%» لهو نسبة قليلة لا تتناسب مع تكاليفها، ولماذا لم يتم اقتراح رفع هذه النسبة مثلاً قبل المطالبة بإحالة التعاقد إلى «تسديد»؟ أم هل ستتغير هذه النسبة لتناسب «تسديد»؟ كل ذلك ناهيك عن أن الدراية المالية والمصرفية التي تظهر من خلال تقرير اللجنة كان حرياً بها أن تساعد أعضاءها على معرفة أن ترخيص شركة «تسديد» لا يسمح لها بالعمل في ميدان بطاقات الإنترنت مسبة الدفع، لتخصصها في بطاقات الهاتف الثابت. على العادة، تاريخ تعاقدي ممل ومفعم بالأخطاء لا يشذ عقد البطاقات مسبقة الدفع الذي تناولناه آنفاً عن بقية أقرانه من التعاقدات، فهو يذكرنا بكل العقود التي قد يكون هناك من لا يريد المؤسسة أن تسير بها، فيضع شروطاً تعاقدية لا يمكن لعاقل القبول بها كما في مناقصات الأعمدة الهاتفية التي أضحت مثار تندر لعدد المرات التي طرحت فيه، فعقب تأخر مديد، وقعت المؤسسة العامة للاتصالات مطلع عام 2006 مجموعة من العقود مع الشركات الفائزة في حينه لتوريد بطاقات مسبقة الدفع عبر مزود الخدمة الحكومي «190». لكن التأخر الطويل الذي سبق توقيع العقود، ما لبث أن تكرر عقبها، وذلك بعدما علم الجميع «مصادفة» بأنه من غير الممكن إتمام المشروع على ذلك المزود نظراً إلى افتقاره إلى أنظمة محاسبة. ولتدارك الموقف انبرت المؤسسة لاستجرار نظام خاص لهذا الشأن، لكن المصادفة شاءت مرة أخرى أن يعلم الجميع بأن بعض المقاسم الهاتفية لا تحتوي على خدمة «RAS» «التحكم عن بعد» ما يمنع القدرة على التحكم بحسابات البطاقات المنوي إطلاقها. مرت الأيام وانقطعت السبل بالشركات المتعاقدة حتى جاءها الفرج بعد عامين، وتحديداً حين قبلت المؤسسة مقترحاتهم بنقل المشروع إلى مزود «تراسل» التابع لشبكة تراسل المعطيات الوطنية «PDN» باعتباره نظاماً متكاملاً صمم واستقدم متضمناً مزود خدمة إنترنت بكامل عتاده وبرمجياته. كان ذلك في نيسان من عام 2008، إلا أن المصادفة تدخلت هذه المرة أيضاً، حيث اكتشف الجميع بأن نظام المحاسبة المضمن في مزود «تراسل» ضمن منظومة «PDN» ليس قابلاً للاستخدام نتيجة لانتهاء عقد التشغيل مع الشركة المركبة «البعض يقول إن النسخة الأصلية من البرنامج ضاعت بعد استلامها» كما أن الحظر الأميركي لم يترك مجالاً لتطوير النظام المحاسبي فما كان من المؤسسة إلا أن انبرت بذاتها لتركيب نظام محاسبي جديد، بعدما رفضت عروض الشركات المتعاقدة بالمساعدة في تركيب نظام مجاني على حسابهم. وبذلك قضي الأمر وتم تركيب النظام، لتنطلق التجارب تمهيداً لإطلاق خدمة البطاقات مسبقة الدفع، لكن، ولأن المصادفة ميزة فطرية في مؤسسة الاتصالات فيما يبدو، فقد باغت الجميع وجود أخطاء فادحة في معلومات المشتركين لدى مزود «تراسل»، بما في ذلك أخطاء في نوع الخدمة التي يستخدمونها والسعات المتعاقدين عليها، وأخطاء أخرى في العدد الكلي للمشتركين اتضحت فداحتها من خلال التفاضل بين عددهم في نظام التوثيق ونظام المحاسبة «وهذه قضية ستتم معالجتها ضمن تحقيق مستقل في المستقبل» وصولاً إلى أخطاء في بيانات المستخدمين وما إلى ذلك. ولم تبدأ التجارب الحية على البطاقات إلا مع اقتراب نهاية العام الماضي، التي لم تخلو من بعض المنغصات والأخطاء التي لم تتم معالجتها حتى منتصف شهر آذار الماضي، لكن فصلاً جديداً من الرواية كان مقدراً أن يكتب آنذاك، وذلك عقبما اتخذت إدارة المؤسسة قراراً بتشكيل لجنة خاصة لدراسة العقود، فجاء رد اللجنة بعد أن قلب تربة العقد، غاية في التمحيص الدقيق لعوائق الاستمرار في التعاقد. نموذج ليس إلا لا يمكن النظر إلى ما تخلل قضية عقود بطاقات الإنترنت مسبقة الدفع من مشكلات وتلاعبات في صياغة المشكلات عن بقية التعاقدات التي نسمع عنها في المؤسسة العامة للاتصالات، بل لربما يمكن اعتبارها نموذجاً حياً لطريقة التعامل مع من يعجب «البعض» في المؤسسة، ومع من لا يعجبهم. لكن الثابت أن هذه التصرفات ستؤول إلى زوال مع التطورات الإدارية التي يشهدها قطاع الاتصالات، وخاصة بعدما تكشف لدى الجهات المعنية العديد من ملفات الفساد المتعلقة بتعاقدات المؤسسة خلال الفترة الماضية، وبعد ذلك، فبلا ريب، ستعود المؤسسة إلى التفكير كـ«مؤسسة حكومية عليها أن تقف على مسافة واحدة من جميع العاملين في القطاع من الشركات».
لم يكن لاقتراحي الوحدة الاقتصادية للإنترنت في المؤسسة العامة للاتصالات حول العقد «21/أ» الخاص بإصدار بطاقات مسبقة الدفع للإنترنت، أن يثيرا كثير انتباه لولا الطريقة «الفذة» التي اعتمدت في تسويغهما، ذلك أن مقدمات التقرير الذي صدر مطلع الشهر الماضي متضمنا الاقتراحين، استرسل «بأمانة» في تعداد الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسة أثناء صياغتها لآليات وشروط التعاقد مع الشركات، ليتوصل التقرير إلى أنه من المستحيل على الشركات المتعاقدة تنفيذ مضمون التعاقد، إلا أنه «أي التقرير»، وبطريقة لا تنقصها «الكاريكاتورية»، انبرى ليطالب في خاتمته باتخاذ قرار بفسخ العقود لأن الشركات لم تنفذ مضمونها. وبطاقات الإنترنت مسبقة الدفع كانت قد طرحت فكرة في مزودات الخدمة الحكومية نحو عام 2005، إلا أن تأخر التعاقد عليها، ومن ثم التأخر في تنفيذ التعاقدات أودى بالمزودات الحكومية إلى الوراء في سياق المنافسة المحمومة مع مزودات القطاع الخاص التي أحسنت استغلال الفرصة فأغرقت السوق برزمة من العروض. مقدمات «في واد» يقول متن التقرير: إنه (كان من المفترض تنفيذ العقد «21/أ» على مزود «190» لكن الصعوبات الفنية وتحديداً عدم القدرة الفنية لنقاط النفاذ في المحافظات للتعامل مع نظام التحقق من الهوية أدى إلى إيقافه). ويشير التقرير إلى أن السيد وزير الاتصالات السابق اقترح –لحل المشكلة- تنفيذ مضمون العقد على مزود «تراسل» التابع لشبكة «PDN» وبالشروط العقدية نفسها، لكن مديرية «PDN» اعتذرت عن ذلك لعدم توافر الجهوزية الفنية لديها، وبعد إعادة المحاولة تمت الموافقة على هذا المقترح، لكن لجنة فنية شكلت لهذا الموضوع بعضوية ممثلين عن «مزود خدمة خاص، الشبكة الذكية، شركة تسديد» عادت ورفضت الموضوع لأسباب لم يذكرها التقرير. وكشف التقرير أن اجتماعات اللجنة آنفة الذكر تمخضت عن مجموعة من النقاط تم تلخيصها كالآتي: 1- نسبة ربح المتعهد «2.6%» وهي لا تغطي تكلفة الطباعة وتوزيع البطاقات وعمولة الموزعين ما سيؤدي إلى ضعف انتشار الخدمة حتى لو اعتبرنا أن المتعهد سوف يوفر واردات أخرى من فوائد الاحتفاظ بالأموال فإن الفوائد لن تكفي بشكل من الأشكال لتغطية المصاريف ناهيك عن الأجهزة والبرامج وتحديثها وصيانتها سنوياً. 2- إن احتفاظ المتعهد بقيمة 35% من البطاقات المطروحة في الأسواق دون تقديم كفالة مصرفية توازي قيمة الأموال المحتفظ بها قد يعرض المؤسسة والمواطنين إلى خسارة كبيرة في الأموال. 3- إن مبلغ الكفالة المحدد في العقد يتنافى مع قيمة البطاقات المتوقع تفعيلها وطرحها في الأسواق ولم يتطرق العقد إلى رأسمال المتعهد تماشياً مع تعليمات المصرف المركزي. 4- لم يحدد العقد عائدية المبالغ المتبقية في البطاقات، وهل تعود للمؤسسة أم للمتعهد؟ اقتراحات في واد آخر بعد قراءة مقدمة التقرير آنفة الذكر، يعتقد القارئ بأن المؤسسة ستبادر إلى الاعتذار للشركات المتعاقدة ومن ثم تعرض تعديل شروط التعاقد بما يخدم مصلحة الطرفين، إلا أنه، وبغض النظر عن الأخطاء التي أشارت إليها مقدمة التقرير، وبغض النظر عن أن مسؤوليتها تقع كاملة على عاتق المؤسسة، فقد جاءت الاقتراحات في واد آخر تماماً، وفيها: - الاقتراح الأول: طرح الموضوع (التعاقد) على مجلس الإدارة وإصدار قرار بإيقاف العقد نظراً إلى المشكلات الكبيرة المتضمنة. - الاقتراح الثاني: الموافقة على إعداد مذكرة تفاهم مع شركة «تسديد» للاستفادة من خدماتها حيث إن هناك ضوابط وآلية عمل واضحة بينهما وبين المؤسسة. المالية تعرض المخاوف قبل الخوض في الصعوبة البالغة التي واجهت معدي التقرير أثناء كتابته، واضطرارهم لمحاكاة بهلوانيي السيرك لدى قفزهم فوق الأخطاء التي وقعت فيها مؤسستهم أثناء صياغة البنود التعاقدية، ليتوصلوا بخفة إلى المطالبة بفسخ العقود، قبل ذلك، يجدر المرور على ما قالته المديرية المالية في المؤسسة إزاء المشكلة في حال إصرار الوحدة الاقتصادية لخدمات الإنترنت على رفض المذكرة التسويغية لتأخر تنفيذ العقد التي تقدمت بها الشركة المتعاقدة، فقد طلبت إلى مدير الوحدة الاتفاق مع الشركة على فسخ العقد والحصول منها على تعهد بعدم رفع دعوى فضائية للمطالبة بالعطل والضرر ومن ثم رفع المذكرة إلى مجلس الإدارة لاستصدار القرار اللازم بفسخ العقد، وإلا فاللجوء إلى قانون العقود وفسخ العقد من طرف واحد وتحمل التبعات القانونية. لكن الملاحظات على التقرير تتجاوز حاجر اللغة والمفردات لتصل إلى إثارة التساؤل حول الطريقة التي تدار بها المشكلات في مؤسسة الاتصالات والآليات الجاهزة في التحضير بهدوء لكسر التعاقدات التي قد لا تعجب البعض، وصولاً إلى اقتراح البدائل بشكل لا يساعد على تقديم النيّات الحسنة. فمثلا، يقول التقرير: إن الفشل الفني لا يزال مستمراً وإن المعوقات لم يتم حلها حتى الساعة، وخاصة أن اللجنة قد قررت عدم المضي بالمشروع عبر مزود «تراسل»، وعلى الرغم من ذلك ينتقل معدوه «بخفة» إلى اقتراح مالي وتعاقدي آخر مع شركة تسديد. ولعله هنا يجدر التساؤل حول نيّات اللجنة التي يشارك في عضويتها البعض من يحسبون على «تسديد»، والأسباب التي جعلتها تعتقد بأن الخدمة ستنطلق في عهد تسديد بوجود المشكلات الفنية التي أشارت إليها، وهل ستتحسن الظروف الفنية آنذاك؟ كما يجدر التساؤل حول إشارة التقرير إلى أن هامش ربح الشركة المتعهدة لا يتجاوز «2.6%» لهو نسبة قليلة لا تتناسب مع تكاليفها، ولماذا لم يتم اقتراح رفع هذه النسبة مثلاً قبل المطالبة بإحالة التعاقد إلى «تسديد»؟ أم هل ستتغير هذه النسبة لتناسب «تسديد»؟ كل ذلك ناهيك عن أن الدراية المالية والمصرفية التي تظهر من خلال تقرير اللجنة كان حرياً بها أن تساعد أعضاءها على معرفة أن ترخيص شركة «تسديد» لا يسمح لها بالعمل في ميدان بطاقات الإنترنت مسبة الدفع، لتخصصها في بطاقات الهاتف الثابت. على العادة، تاريخ تعاقدي ممل ومفعم بالأخطاء لا يشذ عقد البطاقات مسبقة الدفع الذي تناولناه آنفاً عن بقية أقرانه من التعاقدات، فهو يذكرنا بكل العقود التي قد يكون هناك من لا يريد المؤسسة أن تسير بها، فيضع شروطاً تعاقدية لا يمكن لعاقل القبول بها كما في مناقصات الأعمدة الهاتفية التي أضحت مثار تندر لعدد المرات التي طرحت فيه، فعقب تأخر مديد، وقعت المؤسسة العامة للاتصالات مطلع عام 2006 مجموعة من العقود مع الشركات الفائزة في حينه لتوريد بطاقات مسبقة الدفع عبر مزود الخدمة الحكومي «190». لكن التأخر الطويل الذي سبق توقيع العقود، ما لبث أن تكرر عقبها، وذلك بعدما علم الجميع «مصادفة» بأنه من غير الممكن إتمام المشروع على ذلك المزود نظراً إلى افتقاره إلى أنظمة محاسبة. ولتدارك الموقف انبرت المؤسسة لاستجرار نظام خاص لهذا الشأن، لكن المصادفة شاءت مرة أخرى أن يعلم الجميع بأن بعض المقاسم الهاتفية لا تحتوي على خدمة «RAS» «التحكم عن بعد» ما يمنع القدرة على التحكم بحسابات البطاقات المنوي إطلاقها. مرت الأيام وانقطعت السبل بالشركات المتعاقدة حتى جاءها الفرج بعد عامين، وتحديداً حين قبلت المؤسسة مقترحاتهم بنقل المشروع إلى مزود «تراسل» التابع لشبكة تراسل المعطيات الوطنية «PDN» باعتباره نظاماً متكاملاً صمم واستقدم متضمناً مزود خدمة إنترنت بكامل عتاده وبرمجياته. كان ذلك في نيسان من عام 2008، إلا أن المصادفة تدخلت هذه المرة أيضاً، حيث اكتشف الجميع بأن نظام المحاسبة المضمن في مزود «تراسل» ضمن منظومة «PDN» ليس قابلاً للاستخدام نتيجة لانتهاء عقد التشغيل مع الشركة المركبة «البعض يقول إن النسخة الأصلية من البرنامج ضاعت بعد استلامها» كما أن الحظر الأميركي لم يترك مجالاً لتطوير النظام المحاسبي فما كان من المؤسسة إلا أن انبرت بذاتها لتركيب نظام محاسبي جديد، بعدما رفضت عروض الشركات المتعاقدة بالمساعدة في تركيب نظام مجاني على حسابهم. وبذلك قضي الأمر وتم تركيب النظام، لتنطلق التجارب تمهيداً لإطلاق خدمة البطاقات مسبقة الدفع، لكن، ولأن المصادفة ميزة فطرية في مؤسسة الاتصالات فيما يبدو، فقد باغت الجميع وجود أخطاء فادحة في معلومات المشتركين لدى مزود «تراسل»، بما في ذلك أخطاء في نوع الخدمة التي يستخدمونها والسعات المتعاقدين عليها، وأخطاء أخرى في العدد الكلي للمشتركين اتضحت فداحتها من خلال التفاضل بين عددهم في نظام التوثيق ونظام المحاسبة «وهذه قضية ستتم معالجتها ضمن تحقيق مستقل في المستقبل» وصولاً إلى أخطاء في بيانات المستخدمين وما إلى ذلك. ولم تبدأ التجارب الحية على البطاقات إلا مع اقتراب نهاية العام الماضي، التي لم تخلو من بعض المنغصات والأخطاء التي لم تتم معالجتها حتى منتصف شهر آذار الماضي، لكن فصلاً جديداً من الرواية كان مقدراً أن يكتب آنذاك، وذلك عقبما اتخذت إدارة المؤسسة قراراً بتشكيل لجنة خاصة لدراسة العقود، فجاء رد اللجنة بعد أن قلب تربة العقد، غاية في التمحيص الدقيق لعوائق الاستمرار في التعاقد. نموذج ليس إلا لا يمكن النظر إلى ما تخلل قضية عقود بطاقات الإنترنت مسبقة الدفع من مشكلات وتلاعبات في صياغة المشكلات عن بقية التعاقدات التي نسمع عنها في المؤسسة العامة للاتصالات، بل لربما يمكن اعتبارها نموذجاً حياً لطريقة التعامل مع من يعجب «البعض» في المؤسسة، ومع من لا يعجبهم. لكن الثابت أن هذه التصرفات ستؤول إلى زوال مع التطورات الإدارية التي يشهدها قطاع الاتصالات، وخاصة بعدما تكشف لدى الجهات المعنية العديد من ملفات الفساد المتعلقة بتعاقدات المؤسسة خلال الفترة الماضية، وبعد ذلك، فبلا ريب، ستعود المؤسسة إلى التفكير كـ«مؤسسة حكومية عليها أن تقف على مسافة واحدة من جميع العاملين في القطاع من الشركات».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق